تشهد العاصمة الرباط هذه الأيام نقاشات واسعة بين سكانها حول التنفيذ الميداني لمشروع تصميم التهيئة الحضرية الذي تقوده السلطات المختصة، حيث يتم حالياً تنفيذ عمليات عشوائية لهدم بنايات غير عشوائية في عدة أحياء، أبرزها حي المحيط، مما دفع عشرات الأسر إلى البحث عن حلول بديلة، بعدما تسبب القرار في تشريدها، وأيضا بالنسبة للمكترين الذين يواجهون التشرد بدون بديل يذكر.
برلمانية الرسالة تترافع في قبة البرلمان
ووجهت فاطمة التامني برلمانية فيدرالية اليسار الديمقراطي، سؤالا كتابيا إلى وزير الداخلية، أشارت من خلاله إلى معاناة ساكنة المحيط بالرباط جراء قرارات الهدم التي طالت منازلهم؛ مشيرة إلى عدم وجود أساس قانوني لقرارات الهدم التي أثارت حالة من القلق والاحتقان والاستياء بين المتضررين؛ خاصة أن العديد من هذه المساكن محفظة ومسجلة لدى الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية ، الأمر الذي يطرح تساؤلات جدية حول مدى احترام مبدأ الحق في الملكية الذي يكفله الدستور.
وطالبت التامني وزير الداخلية بتوضيح الأساس القانوني لتنفيذ قرارات الترحيل والهدم التي تستند عليها السلطات مع بيان مدى توافقها مع القوانين الجاري بها العمل؛ خاصة أن المتضررين يواجهون خطر التشريد، داعية الوزير إلى التدخل لايقاف عمليات الهدم وإيجاد حلول عادلة للمتضررين.
قرار بدون أساس قانوني
وأمام غياب الفاعلين السياسيين، أغلبية ومعارضة في مواجهة هذه المعاناة التي يتخبط فيها المواطنون، خرج مستشارو فيديرالية اليسار الديمقراطي بالرباط، وحيدين في مواجهة هذا القرار التعسفي.
وفي ظل التطورات الأخيرة المتعلقة بعمليات الهدم والترحيل ونزع الملكية في العاصمة الرباط، وتحديداً في حي المحيط، أثار مستشارو فيدرالية اليسار الديمقراطي بمجلس المدينة مخاوفهم بشأن الإجراءات المتخذة. حيث أكدوا أن مطالبة السلطة المحلية لسكان حي السانية الغربية وبعض مناطق حي المحيط بإخلاء منازلهم تفتقر إلى أساس قانوني، خاصة وأن معظمهم يمتلكون وثائق ملكية وتحفيظ. كما أشاروا إلى عدم وجود أي مرسوم للمنفعة العامة يبرر نزع الملكية، مما يتعارض مع المبدأ الدستوري لحق الملكية الخاصة.
وتساءل مستشارو الفيدرالية عن المستفيد الحقيقي من هذه العملية، مشيرين إلى احتمال كونها شركة خاصة أو شركات أجنبية. وأوضحوا أن توسعة بعض الشوارع في الرباط، وما يرافقها من نزع للملكية، قد يكون مبرراً في بعض الحالات، ولكن لا يوجد مبرر واضح في حالات أخرى، مثل شارع محمد السادس الذي يضم بالفعل ثلاثة ممرات في الاتجاهين. وقد عبروا عن موقفهم هذا خلال جلسة مجلس مدينة الرباط في 29 يناير الماضي.
وأعرب منتخبو حزب فيدرالية اليسار الديمقراطي عن استنكارهم لصمت السلطات العمومية في الرباط وتسترهم بشأن المشاريع المخصصة للمناطق المتضررة من الهدم، واتخاذ القرارات بشكل انفرادي دون إشراك الممثلين الحقيقيين للسكان. وطالبوا بوقف عملية توسعة الشوارع التي لا تحتاج إلى ذلك، وعلى رأسها شارع محمد السادس. كما دعوا السلطات العمومية إلى تقديم توضيحات شافية حول المشاريع المخصصة لدوار العسكر وحي المحيط والمناطق الأخرى التي طالتها عمليات الهدم، والكشف عن المستفيدين الحقيقيين من هذه العملية.
وشدد مستشارو الحزب على ضرورة الامتثال للقوانين المعمول بها، بما في ذلك الدستور المغربي الذي يحمي الملكية الخاصة، في غياب أي مرسوم يقر بالمنفعة العامة. ودعوا سلطات الرباط إلى فتح حوار عمومي جاد حول المخططات الجديدة للعاصمة وإشراك الساكنة وممثليهم في اتخاذ القرارات.
كما أشاروا إلى أن سلطات مدينة الرباط لم تكشف بعد عن مصير أرض دوار العسكر، وسط انتشار الشائعات في الصحافة الوطنية حول تحويلها إلى ملعب للغولف، وهو ما اعتبروه فضيحة عمرانية كبرى. وأوضحوا أن مخطط تهيئة مدينة الرباط، المنشور في الجريدة الرسمية بتاريخ 20 فبراير 2025، يمنح منطقة ZP1 وضعاً خاصاً بصلاحيات واسعة للجنة برئاسة والي جهة الرباط سلا القنيطرة للموافقة على المخططات التعميرية في تلك المنطقة.
وأكد منتخبو الفيدرالية على ضرورة مراعاة الظروف الاقتصادية والاجتماعية للسكان عند تنفيذ عمليات الهدم، وتجنب تكرار التجارب السابقة التي أدت إلى ترحيل مئات سكان مدن الصفيح بعيداً عن أحيائهم الأصلية، مما أدى إلى تحول هذه المدن الجديدة إلى بؤر للبطالة والانقطاع الدراسي والإجرام.
وأعلن مستشارو فيدرالية اليسار الديمقراطي عن عزمهم تنظيم ندوة صحفية للكشف عن جميع التفاصيل المتعلقة بعمليات الهدم والترحيل التي تطال ساكنة الرباط، وسيتم الإعلان عن موعدها ومكانها في وقت لاحق.
عمر الحياني: تفاجأنا بأن الأشغال انطلقت دون احترام المساطر القانونية
انتقد عمر حياني، المستشار عن فيدرالية اليسار الديمقراطي، التوسعة “غير المفهومة” لعدد من شوارع مدينة الرباط، مفيدا أنها تتم دون احترام المساطر القانونية الجاري العمل بها.
وأكد حياني، في ندوة صحفية أقامها مستشارو فيديرالية اليسار، أن مسألة توسيع بعض شوارع الرباط تمت مناقشتها في جلسة مجلس المدينة، التي عُقدت نهاية يناير 2025، موردا أنه تم تقديم مقترح بإحداث وتوسعة مجموعة من شوارع الرباط، والمسطرة تقتضي اتباع خطوات محددة تبدأ بالمصادقة في المجلس، وبعدها أجل 60 يوما مخصصة للبحث العمومي لإبداء المواطنين ملاحظاتهم، ثم تبدأ إثرها عملية نزع الملكية.
وأورد عمر الحياني، أنه عكس ذلك “تفاجأنا بأن الأشغال انطلقت في شارع الرايس الشرقاوي في مقاطعة اليوسفية دون احترام المساطر القانونية، حيث تم تنفيذ اعتداءات مادية على ممتلكات المواطنين، مما دفعهم إلى اللجوء إلى القضاء لرفع دعاوى ضد الجماعة، ما جعل هذه الأخيرة تتحمل التكاليف، في حين أن سلطات ولاية الرباط كان عليها احترام المساطر”.
وتابع حياني أن الموقف الذي عبرت عنه فيدرالية اليسار في المجلس كان واضحا وهو “وجوب احترام المساطر القانونية، وعدم الشروع في أي توسعة قبل انتهاء مدة البحث العمومي التي تستمر 60 يومًا. كما أكدنا على ضرورة تحديد الأولويات، لأن هناك شوارع تحتاج بالفعل إلى التوسعة، مثل الطريق الرابط بين شارع ابن رشد وشارع أحمد الشرقاوي، لكن في المقابل، هناك توسعات غير مبررة مثل توسيع شارع محمد السادس، الذي يعتبر من أكبر شوارع الرباط، رغم أن نسبة الازدحام فيه لا تستدعي ذلك”.
ولفت المستشار الجماعي عن حزب فيديرالية اليسار الديمقراطي، إلى أن “التوجه العالمي اليوم هو تقليص حركة السيارات داخل المدن، وإعطاء الأولوية لوسائل النقل العمومي، مثل الترامواي، ومسارات الدراجات، والمساحات الخضراء. لكن في الرباط، نلاحظ العكس، حيث يتم توسيع الشوارع بشكل غير مدروس، على حساب ممتلكات المواطنين”.
وأفاد حياني أن المساحة الإجمالية التي سيشملها نزع الملكية تقارب 15 هكتارا، وأغلبيتها تهم الملك الخاص للمواطنين وليست ملكا جماعيا ولا ملكا عاما، معتبرا أن هذه الاختيارات “غير مفهومة وغير منطقية في ظل السياق الحضاري والتعميري العالمي الذي يقتضي التقليص من حركة السيارات داخل المدن”.
وأورد مستشار حزب “الرسالة”، أن “من بين الحالات الأخرى، هناك مشروع توسعة شارع بني مطير وحفيان الشرقاوي مرورًا بشارع عبد الرحيم بوعبيد في مقاطعة السويسي، وهو شارع سيؤدي إلى اقتطاع أجزاء من معهد الزراعة والبيطرة، حيث من المتوقع أن يتسبب في هدم المطعم الجامعي، مما دفع الطلبة إلى الاحتجاج”.
وأوضح المستشار عن حزب “الرسالة”، أن “كل هذه العوامل جعلتنا لا نصوت لصالح هذه التوسيعات في مجلس المدينة، ليس لأننا نعارضها من حيث المبدأ، ولكن لأننا نرى أنها تتم بطريقة غير قانونية، ودون احترام حقوق المواطنين، في ظل تعنت واضح من ولاية الرباط، التي اعتدت على ممتلكات الناس دون أي سند قانوني”.
هند بن عمرو: “المغرب يروج لتراثه عالميًا، في حين أن موروثه العمراني محليًا يتعرض للهدم”
أما بخصوص تأثير العملية على الموروث العمراني للمنطقة، فقد أكدت هند بن عمرو، مستشارة عن فيدرالية اليسار الديمقراطي بمجلس جماعة الرباط، أن قرار الهدم يثير مخاوف كبيرة بشأن “طمس الهوية التاريخية للمنطقة”، مشيرة إلى أن “حي المحيط هو حي عريق، يحمل طابعًا اجتماعيًا وثقافيًا فريداً، وما يتم الآن من عمليات هدم يهدد بفقدان جزء كبير من معالمه التراثية”.
وفي هذا السياق، أشارت إلى أن المفارقة هي أن “المغرب يروج لتراثه عالميًا، في حين أن موروثه العمراني محليًا يتعرض للهدم”، موضحة أنه “يجب المزاوجة بين التنمية والحفاظ على التراث، من مقترح أن يتم الحفاظ على بعض المباني وتحويل أخرى إلى فضاءات ثقافية وتراثية بدل إزالتها بالكامل”.
مهداوي: السلطات تهجر السكان قسرا دون تمكينهم من التعويضات المستحقة والتي يخولها القانون
من جانبه، المستشار عن حزب فيديرالية اليسار الديمقراطي، فاروق مهداوي، عاب على السلطات لجوءها إلى قرار كهذا في بحر الموسم الدراسي، وقبل أيام قليلة من حلول شهر رمضان، وقال في مداخلته أمام وسائل الاعلام إن طريقة ترحيل ساكنة دوار العسكر بحي المحيط وهدم البيوت فوق رؤوسهم يعد أمرا غير مسبوق.
واعتبر مستشار حزب فيديرالية اليسار الديمقراطي، أن عملية الهدم هذه تفتقد للمشروعية ولا تنسجم مع أي قانون، وزاد أن السلطات تضغط على المُلّاك من أجل بيع عقاراتهم لجهات مجهولة وفي غياب المساطر القانونية.
المستشار عن حزب “الرسالة”، سجل في سياق حديثه على نزع الملكية أن ما ينظم العملية هو القانون 7.81، وهو لم يتم احترامه حسب إفادته سواء من حيث المرسوم أو اللجنة أو مسطرة الحيازة أمام المحكمة الإدارية.
واتهم المستشار الجماعي عن حزب فيديرالية اليسار الديمقراطي، السلطات بتهجير السكان قسرا من دون تمكينهم من التعويضات المستحقة والتي يخولها القانون، فضلا عما قال إنه فرضها لأسعار بيع القعارات وتحديدها، وهو ما يتنافى بحسب تعبيره مع مبدأ “العقد شريعة المتعاقدين”.