قسومي نجيبة: فدرالية اليسار الديمقراطي…بين تشاؤم العقل وتفاؤل الإرادة

مدة القراءة: 4 دق.

تعيش فدرالية اليسار الديمقراطي لحظة فارقة في مسارها السياسي، وهي تستعد لعقد مؤتمرها الأول بعد الاندماج، وقد تكون فرصة تاريخية لإعادة بناء اليسار المغربي كقوة فاعلة ومؤثرة، غير أن هذه المرحلة تأتي في سياق معقد، تتداخل فيه التحديات الإجتماعية والإقتصادية والسياسية، وهو ما يجعل مقولة أنطونيو غرامشي “تشاؤم العقل وتفاؤل الإرادة” إطارًا مفاهيميا دقيقًا لفهم وضع الفدرالية الراهن. وبينما يفرض الواقع تحديات كبرى، تظل الإرادة السياسية محفزًا أساسيًا للسير نحو التغيير وإعادة التوازن بين الدولة والمجتمع.

– قراءة الواقع الوطني:
يتجلى “تشاؤم العقل” في إدراك الفدرالية للتحديات الهيكلية التي تواجهها. فمن جهة، يظل ملف الإضراب أحد القضايا الأكثر تعقيدًا، حيث تُواجه مطالب العمال بحواجز قانونية متزايدة، أبرزها هذا مشروع الذي يُنظر إليه كوسيلة لتقييد حرية الاحتجاج بدلا من تنظيمه، وهو ما سينعكس على فئات أخرى من المواطنين، باعتبار أن قانون الإضراب قضية مجتمعية، لا تمس العمال وحدهم، فضعف تمثيلية الفدرالية بالبرلمان يحدّ من قدرتها على التأثير الفعلي في هذا الملف رغم كل الجهود التي تبذلها البرلمانية الوحيدة التي تمثل الحزب في هذه المؤسسة، إلا أنه لا يمكنها التأثير بشكل فردي في مثل هذه القضايا.

ومن جهة أخرى، يثير ملف دمج صناديق التقاعد مخاوف واسعة بشأن تداعياته على الفئات الهشة والمتوسطة، مما يضع الفدرالية أمام تحدٍّ لتقديم بدائل عملية توازن بين العدالة الاجتماعية والاستدامة المالية. أما أزمة غلاء المعيشة، فتعمق التحديات اليومية للمواطن المغربي، مع ارتفاع أسعار المواد الأساسية وتراجع القدرة الشرائية، مما يزيد من صعوبة ترجمة خطاب الفدرالية إلى تأثير مباشر في حياة المواطنين.

– الفرص والإمكانات:
رغم هذه التحديات، تبرز الإرادة السياسية “تفاؤل الإرادة” للفدرالية في سعيها لاستثمار هذه اللحظة التاريخية. فالمؤتمر الأول بعد الاندماج يمثل فرصة لإعادة بناء الهياكل التنظيمية، وتوحيد الصفوف، وصياغة رؤية سياسية أكثر فعالية. كما تعمل الفدرالية على تعزيز علاقتها بالحركات الاجتماعية والنقابات العمالية، إدراكًا منها أن النضال الجماعي هو السبيل لتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية لإعادة ميزان القوة لصالح المجتمع. والوصول لهذه الغاية، يجب على الفدرالية التركيز على تعزيز الديمقراطية التشاركية كآلية لإشراك المواطنين في صنع القرار. ويشمل ذلك دعم الحركات الاجتماعية وبناء تحالفات تمثل تنوع المجتمع المغربي، بما يضمن تمثيل الفئات المهمشة ويقوي حضورها الميداني. كما أن تبني سياسات تهدف إلى تقليص هيمنة الدولة على القطاعات الحيوية، مثل التعليم والصحة، وتعزيز اللامركزية، مما يُمكن من إعادة السلطة إلى الجماعات المحلية ويقربها من المواطنين.

إضافة إلى ذلك، تحتاج الفدرالية إلى الدفع بإصلاحات قانونية تعزز حقوق العمال وتضمن الشفافية والمساءلة، مثل إصلاح قوانين الإضراب والنقابات نظرا لأن العمال يشكلون جزء مهما من القاعدة الحزبية. ويتطلب هذا الانتقال من الانتقاد التقليدي إلى تقديم سياسات عملية ومتكاملة تُشرك المواطنين في بناء بدائل حقيقية تُحقق العدالة الاجتماعية.

– التحول من الخطاب إلى الفعل:
إن مقاربة غرامشي التي تجمع بين الواقعية النقدية والإيمان بالتغيير تقدم نموذجًا ملهمًا للفدرالية. فإدراك تعقيد الواقع الوطني لا يعني الاستسلام، بل يستدعي العمل على تقديم حلول ملموسة لقضايا ملحة، مثل تنظيم الإضراب، إصلاح نظام التقاعد، ومعالجة أزمة الغلاء وغيرها من المشاكل المجتمعية، بما يضمن تحقيق انتقال عادل يعيد التوازن بين الدولة والمجتمع.

وفي ظل هذه المعطيات، يبقى المؤتمر فرصة ذهبية للفدرالية من أجل تعزيز حضورها الميداني القادر على تجاوز اختلافات المرجعية التنظيمية وتعزيز حضورها الميداني، وتوحيد خطابها السياسي ليعبر عن تطلعات مختلف شرائح المجتمع. فنجاح الفدرالية في الإنتقال من مرحلة الخطاب إلى مرحلة الفعل سيحدد قدرتها على إعادة تشكيل اليسار المغربي كقوة سياسية قادرة على مواجهة التحديات الراهنة، وفتح آفاق جديدة نحو مستقبل أكثر عدالة وتوازنًا بين الدولة والمجتمع.

قسومي نجيبة، عضو المجلس الوطني لفيدرالية اليسار

شارك هذا المقال
اترك تعليقا