دينامية الشعوب: دروس التاريخ في مواجهة الطغيان

مدة القراءة: 4 دق.

وفي مسار نضال الطبقة العاملة عبر التاريخ من أجل الدفاع عن حقوقها الاجتماعية والاقتصادية والمدنية والسياسية، لصون كرامتها وحقها في العيش الكريم، يتجدد اللقاء اليوم في شوارع الرباط مع الطبقة العاملة والشغيلة في معركة أخرى وفي فصل آخر من النضال لتثبيت أحد الحقوق الأساسية والجوهرية، الذي يعتبر أداة للحفاظ على حقوقها ووجودها كقوة نضالية لعبت أدوارًا طلائعية في الانعطافات السياسية والانتقالات التي عرفتها المجتمعات والوقوف أمام الاضطهاد، والمتمثل في الحق في الإضراب.

هذا الحق الذي يعتبر سلاحها الأقوى لمواجهة السياسة الاقتصادية النيوليبرالية المتوحشة الممارسة في بلادنا، والتي تهدف إلى الإجهاز على كل الحقوق والمكتسبات التي حققتها الطبقة العاملة والشغيلة، وذلك لشرعنة الاستغلال والفساد والاستبداد، لضمان نهب الخيرات، مما سيزيد الوضع الاجتماعي احتقانًا ويفتحه على المجهول نتيجة للتهميش والإقصاء وقضم الحقوق المكتسبة وضرب العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروة والحق في حرية التعبير الذي هو جوهر الديمقراطية.

لقد جاءت المسيرة الوطنية اليوم، نتيجة لإعلان جبهة الدفاع عن الحق في ممارسة الإضراب تنظيمها يومه الأحد في الرباط، لمواجهة محاولة الدولة ومن وراءها لوبيات الفساد ونهب الأموال في فرض قانون الإضراب على الطبقة العاملة والشغيلة عمومًا، بهدف تعبيد الطريق أمام السياسات الاقتصادية النيوليبرالية وتقويتها. وتحميل تكلفة العيش والنمو للطبقة العاملة والشغيلة وحرمانهما من التمتع بحق فيما تنتجه من خيرات، ويا للمفارقة، لتستحوذ عليه لوبيات الفساد وزبونيتها الاجتماعية والسياسية، لإعادة إنتاج نفس الوضع القائم وضمان استمراريته. كما تميزت المسيرة اليوم بدخول تعبيرات اجتماعية طالها الحيف والتهميش، لتندد بكل ما يمس أوضاعها.

ولقد صدحت الأصوات اليوم لتكسر تكلس هذا الزمن السياسي الرديء، الذي لم نسبق أن عشناه حتى في سنوات زمن الرصاص، التي تميزت بجدل النضال في مواجهة القمع في أقوى شروطه وطغيانه. ومع ذلك وفي زمانه، لم تجرؤ الدولة على المس بحق الإضراب الذي كان ممارسًا في وقته من أوسع الفئات الاجتماعية. لقد رفعت شعارات التنديد بمحاولة الإجهاز على الحق في الإضراب، والفساد المستشري في البلاد ولوبياته، وبالأوضاع المعيشية التي تعرف تراجعًا مهولًا في شروطها، وبالحق في التعبير الذي تريد الدولة تكبيله على جميع المستويات: من الشارع إلى فضاءات التواصل الاجتماعي، والهيئات الحقوقية والمدنية وحتى على مستوى الأفراد، لتضمن المناخ الملائم والبيئة لاستشراء الفساد والتغطية عليه.

وقد تم التنديد بشكل صريح بتزاوج السلطة والمال الذي ينتج كل هذه الكوارث، مما تعرفه الحقوق والمكتسبات من تراجعات لم نعرف لها مثيلًا في الماضي. إنهم يوظفون كل شيء ويسابقون الزمن بتسييج أوضاعهم وممتلكاتهم باللجوء إلى كل القوانين من خلال الدولة لضمان مصالحهم، ظنًا منهم وتوهمًا بدوامها، وأيضًا نظامهم الذين ينتعشون ويتقوون في ظله. إنهم لا يقرؤون التاريخ ولا يعرفون أن ديناميته قد عصفت بأعتى الأنظمة الفاسدة رغم ترسانة القوانين والجيوش، من خلال دينامية المجتمعات وحركية التاريخ.

لأن الفساد طفيليات تنمو في ظروف معينة على جسد المجتمعات، التي ما أن تسترد المبادرة والقوة والوضوح ووحدة قواها الحية، حتى تعصف بكل لوبيات الفساد وتحقق الكرامة والعدالة والحرية والديمقراطية وللمواطنة الحقة، تجاوبًا مع دينامية الشعوب التي تصنع التاريخ وحركيته، لتأسيس دولة الحق والقانون على أرض الواقع وتتجسد في الحياة اليومية للمواطنين. ولا تبقى مجرد شعارات تُدبَّج بها الدساتير وتتزين بها الخطابات للاستهلاك.

محمد العيساوي، عضو المكتب السياسي للحزب.

شارك هذا المقال
اترك تعليقا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Exit mobile version